الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في الدورة 72 لمهرجان كان: من أسبوع النقاد إلى الأقسام الرسمية، بين التنوع والكثافة

نشر في  16 ماي 2019  (11:48)

بقلم الناقد طاهر الشيخاوي- مراسلنا من مهرجان كان

لا بد من الإقرار بأن عدد الأفلام الجديرة بالمشاهدة في الدورة 72 لمهرجان كان السينمائي كثيرة جدا هذه السنة، فصعبت المهمة. كيف يمكن مشاهدة خمسة أفلام في اليوم الواحد والتمكن من الكتابة عنها دون احتساب ما تتطلبه بقية الأشياء الأخرى من وقت كمتابعة اللقاءات والمواعيد المهنية والأكل والراحة إلخ؟

 

قلنا يمكن التعرض بعجل للأفلام مع ابداء رأي سريع مع أمل الرجوع إليها في وقت لاحق للتمعن فيها أو في أهمها.

 رغبتنا كانت قوية في رؤية "ضريح سيد المجهول" لِما عرفناه عن مخرجه الشاب علاء الدين اللجم من تميز. فواكبنا أول عرض للشريط صباح الإربعاء مع الحادية عشر والنصف في قاعة المراماس الخاصة بأفلام أسبوع النقاد. حظي الفيلم بحضور غفير وترحاب حار.

كعادته اختار علاء الدين اللجم نفس الموضوع ونفس الأسلوب. هاجسه الأساسي هو حالة التناقض التي يعيشها المجتمع بين الحداثة والتراث بمقاربة غير مألوفة يغلب عليها نوع من العبثية مع تركيز خاص على الفضاءات المفتوحة.

نقطة انطلاق الموضوع هي شاب يدفن كمية من الأموال سرقها في مكان ما قبل أن يُلقى القبض عليه، وبعد خروجه من السجن يرجع الشاب إلى مكان الدفن لاستخراج أمواله فيكتشف أن ضريحا قد بني فوق الموقع.  ومن هنا تبدأ الرواية وتتداخل قصص شخصيات أخرى تسكن القرية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالضريح دون أن تكون عناصر الحكاية محبوكة على الطريقة الكلاسيكية، فالغالب هو محاكاة أجناس سينمائية كالويسترن وتركيب عناصر مختلفة كونية في شكلها وعناصر حضارية محلية في مضمونها. لقطات ثابتة وفضاءات واسعة وشخصيات منمطة عمدا ووضعيات مضحكة تجعل المتفرج يأخد مسافة نقدية تجاة جوانب من الممارسات الثقافية والإجتماعية بالمغرب الأقصى.

هل توفق علاء الدين اللجم في شريطه ؟ يبقى السؤال مطروحا ولكل جوابه. المهم هو طبيعة المحاولة وجرأة المخرج في تمشيه ولنا عودة للموضوع بأكثر ترو.

 

 انتقلنا بعدها إلى قاعة ديبوسي حيث شاهدنا شريطا من قسم "نظرة ما"، وهو "ثور" للمخرجة الأمريكية آني سلفرشتاين. مخرجة أمريكية سبق لها أن تحصلت في مهرجان كان على جائزة السينيفنداسيون، وهاهي ترجع هذه السنة بشريط طويل لن يمر في نظري مرّ الكرام.

شريط عميق ودسم، تجري أحداثه في غرب مدينة هوستن في حي فقير. علاقة طريفة تنشأ بين كهل ذي بشرة سوداء وفتاة صغيرة بيضاء البشرة تعيش حالة من الاضطراب، والدتها قابعة في السجن. آيب مربي ثيران ومنظم حفلات روديو كان له صيت في الماضي ولكن ما تعرض له من إصابات أجبره على التخلى شيئا فشيئا على نشاطه.

تبدأ العلاقة بينه وبين المراهقة كريس بداية خصامية ثم تتغير تدريجيا فتقوى وتتعزز وتجعل كريس تقترب من عالم آيب وترغب في ممارسة فن الركوب على الثيران الوحشية. تختار المخرجة أسلوبا متميزا يمزج بين الوثائقي والروائي في متابعة للشخصيات لصيقة ودقيقة ترصد بفضلها التحولات الطفيفة والدقيقة التي تطرأ شيئا فشيئا على نفسية الفتاة. شريط في غاية من اللطف والعمق يذهب بالمشاهد بعيدا في استكشاف مسألة الآخر.